فصل: الآية الثالثة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فإن قال قائل: ولو وقع السؤال عن هذا وقيل: العبد إذا كان حاضرا في المسجد الحرام وأذن له السيد، فلم لا يلزمه الحج؟
قلنا هذا سؤال على الإجماع، وربما لا يعلل ذلك، ولكن إذا ثبت هذا الحكم بالإجماع، استدللنا به على أنه لا يعتد بحجه في حال الرق على حجة الإسلام، ولعل المعنى فيه: أن الرق ضرب على الكافر في الأصل، ولم يكن حج الكافر معتدا به، ولما ضرب عليه الرق، ضرب عليه ضربا مؤبدا، فلم يكن في حالة الكفر أهلا لأداء عبادة الحج، ولما ضرب الرق المؤبد عليه، تقاصر عنه الخطاب أبدا، فلم يدخل تحت خطاب الحج بوجه.
وأما الفقر فعارض لا يدوم، والمرض كمثل، وقد سبق الخطاب، وكذا المنكوحة، فهذا هو السبب فيه.
نعم العبد لا جمعة عليه، وإذا أداها سقط الفرض، لأن عليه الظهر، والجمعة قائمة مقامه، وليس عليه شيء يقوم الحج مقامه، وقد روي عن ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «أيما صبي حج ثم أدرك، فعليه أن يحج حجة أخرى، وأيما أعرابي حج ثم هاجر، فعليه أن يحج حجة أخرى، وأيما عبد حج ثم أعتق، فعليه أن يحج حجة أخرى».
وهذا إذا صح أغنى عن تكلف كل معنى.
وظاهر قوله: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} الاكتفاء بحجة واحدة.
قوله تعالى: {اتَّقُوا الله حَقَّ تُقاتِهِ} الآية (102):
قد قيل أنه منسوخ، لأن حقه تعالى يقتضي القيام بحقوق الله في حالة الأمن والخوف وترك التقية فيها، ثم نسخ حالة التقية بقوله: {مَا اسْتَطَعْتُمْ} فيقال لهذا القائل: هو عند الإكراه مستطيع، فيقول: إذا عظمت المشقة يحسن أن يقال: هو غير مستطيع كما قال تعالى: {وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا} ويقال لهم: ما معنى حق تقاته إلا امتثال أمر الله تعالى على نحو ما أمر؟ وإلا فقد تعالى الله عن الغرض في عبادتنا، وإنما يتقي معاصي الله خوفا من عقوبته لترك الأمر، فلابد من تأمل الأمر، فكل من امتثل أمر الله تعالى فقد أتقاه حق تقاته، فعلى هذا لا نسخ فيه.
قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} (103) وحبل الله في عهده في قول، والقرآن في قول آخر، وكل ذلك صحيح.
وقوله: {وَلا تَفَرَّقُوا}: يجوز أن يراد به التفرق في أصول الدين، مثل قوله تعالى: {وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}.
ويجوز أن يكون معناه: {ولا تفرقوا} متابعين للهوى والأغراض المختلفة، وكونوا في دين الله إخوانا، فيكون ذلك منعا لهم عن التقاطع والتدابر، ودل عليه ما بعده وهو قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوانًا} (103).
وليس فيه دليل على تحريم الاختلاف في الفروع، فإن ذلك ليس اختلافا، إذ الاختلاف ما يتعذر معه الائتلاف والجمع، وليس اختلاف حكم الحائض والطاهرة في الصوم والصلاة، واختلاف حكم المقيم والمسافر في الإتمام والقصر، اختلافا من حيث إن الواجب على كل واحد منهم، غير الواجب على الآخر، والاختلاف إذا هو كالاختلاف في الصناعات والحرف وأصغار الأشياء، ومراسم الناس في أنها سبب الانتظام، وإنما منع الله اختلافا هو سبب الفساد، فهذا حكم مسائل الاجتهاد، فإن الاختلاف فيها سبب لاستخراج الغوامض ودقائق معاني الشرع، فاعلمه.
وما زالت الصحابة مختلفين في أحكام الحوادث، وهم مع ذلك متواصلون، وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم في مثل ذلك:
«اختلاف أمتي رحمة».
قوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (103):
وذلك يدل على أنه فرض لكنه فرض على الكفاية.
ولعل قوله: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ} يدل على ذلك، فإنه يقتضي بظاهره أنه إذا قام به البعض، سقط عن الباقين، فإنه قال: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ}.
أي إن جميعكم ربما لا يمكنهم ذلك، فليتول قوم منكم حتى يكون المعروف مأتيا والمنكر مرفوضا، وقد أمر الله تعالى بالأمر بالمعروف في مواضع في كتابه لا حاجة بنا إلى ذكرها، ووردت في ذلك أخبار أوفاها ما رواه أبو سعيد الخدري عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان».
وقد قال الله تعالى في هذا المعنى: {وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ الله}.
وقال: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إسرائيل عَلى لِسانِ داوُدَ} إلى قوله: {كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ}.
وقد قال الله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} الآية.
وليس ذلك ناسخا لوجوب الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكنه إذا أمكنه إزالته بلسانه فليفعله، وإن لم يمكنه إلا بالعقوبة والقتل فليفعله، وإن انتهى بدون القتل لم يجز بالقتل وهذا يتلقى من قوله تعالى: {فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ الله}.
وعليه بنى العلماء: أنه إذا دفع الصائل على النفس، أو على المال عن نفسه، أو عن ماله، أو مال غيره، أو نفس غيره، فله ذلك ولا شيء عليه، ولو رأى زيد عمرا وقد قصد مال بكر، فيجب عليه أن يدفعه عنه، إذا لم يكن صاحب المال قادرا عليه ولا راضيا به، ولو قصد ماله، فيجوز له أن يتركه عليه ولا يدفعه، وفي الصيال على النفس خلاف.
ولو كان في يد الغاصب مال غيره وسعك أن تبيعه، ويقتله إن لم يقف، وكذلك في السارق إذا أخذ المتاع فيجوز ابتياعه، والسارق الذي ينقب البيوت كمثل، حتى قال العلماء: لو فرضنا قوما من أصحاب المكوس والضرائب والأموال الذين في أيديهم أموال الناس، وهم ممتنعون من إيصالها إلى الملاك، ولا ينفعهم الردع بالكلام والملام والتخويف بالله، فيجوز قتلهم من غير إنذار، لأنهم لا يقبلون ذلك من أحد لقوله تعالى: {لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ} يعني: لم يقبل منكم ولا يقدر على منعه من الظلم، فعليك نفسك.
وقال تعالى في ذكر أصحاب السبت: {أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا} فدل ذلك على أن من لم ينه عن الظلم، جعل راضيا به حتى وجب تعذيبه، وقد نسب قتل الأنبياء المتقدمين، إلى من كان في عصر النبي صلّى الله عليه وسلم من اليهود، الذين كانوا موالين لأسلافهم القاتلين لأنبيائهم.
وبنى الشافعي عليه: أن فعل الفاعل، إذا كان في نفسه قبيحا ومفسدة فيجوز دفع الفاعل عنه لما يأتي على نفسه، ولا ضمان على قاتله، مثل أن يصول مجنون أو بهيمة على مال لرجل أو نفسه، فيجوز للمصول عليه ولغيره قتله، ولا ضمان عليه، وهو من قبيل النهي عن المنكر، وليس معنى النهي تكليف الفعل، ولكنه دفع الفاعل عن الفعل القبيح والظلم والتشنيع.
وأبو حنيفة يخالف في ذلك، لأنه يرى أن القاتل ليس ظالما بفعله، ويقال له أنه ليس ظالما بفعله، إلا لأن الفعل غير قبيح ولا مفسدة، ولكن لجهل الفاعل، ولو علمه كان به ظالما ولحقه الذم واللوم والسفه، وهذا بين.
ومن جملة ذلك: أنه إذا كان في بلد الإسلام من يضلل الناس بشبهة وبدعة، فإنه يجب إزالته بما أمكن، لأنه نهي عن المنكر، ومن لم يكن داعيا للناس إلى ذلك، وإنما يذعن إلى الحق، فإقامة الدلائل على صحة قول أهل الحق وتبيين فساد شبهه، ما لم يخرج على أهل الحق بسيفه، ويكون له أصحاب يمتنع بهم عن الإمام، فإن خرج داعيا إلى مقالته مقاتلا عليها، فهذا الباغي الذي أمر الله تعالى بقتاله حتى يفيء إلى أمر الله.
قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا} (الآية 118):
فيه دلالة، على أنه لا يجوز الاستعانة بأهل الذمة في شيء من أمور المسلمين من العمالات والكتابة.
ولما استكتب أبو موسى رجلا من أهل الذمة، كتب اليه عمر يعنفه ويلومه ويتلو عليه هذه الآية.
وقيل لعمر: إن هاهنا رجل من أهل الحيرة لم ير رجل أحفظ منه ولا أخط بقلم، فإن رأيت أن تتخذه كاتبا، قال: «قد اتخذت إذا بطانة من دون المؤمنين».
قوله تعالى: {وَشاوِرْهُمْ فِي الأمر} (159):
يدل على جواز الاجتهاد في الأمور، والأخذ بالمظنون مع إمكان الوحي، فإن الله تعالى أذن لرسول صلّى الله عليه وسلم في ذلك.
قوله تعالى: {وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ}، ومن يغلل يأت وبالبناء للمجهول: أي ما صح أن ينسب الى الغلول ويخون.
{بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ} الآية (161):
وفيها دليل على أن الغلول فيما قلّ وكثر، من أصناف الأموال، وأن الأموال الواصلة إلينا من الكفار مشتركا فيما بين الغانمين، إلا فيما استثنى من الأطعمة لأخبار اختصت بها. اهـ.

.قال القنوجي:

سورة آل عمران مائتا آية، وهي مدنية.
قال القرطبي بالإجماع، ووردت الأحاديث الدالة على فضلها مشتركة بينها وبين سورة البقرة.

.الآية الأولى:

{لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ الله فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ الله نَفْسَهُ وَإِلَى الله الْمَصِيرُ (28)}.
فيه النهي للمؤمنين عن موالاة الكفار بسبب من الأسباب ومثله قوله تعالى: {لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ} [آل عمران: 118]، وقوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51]، وقوله: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِالله} [المجادلة: 22]، وقوله: {لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ} [المائدة: 51] وقوله: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ} [الممتحنة: 1].
وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ: أي الاتخاذ المدلول عليه بقوله لا يَتَّخِذِ فَلَيْسَ مِنَ الله فِي شَيْءٍ أي من ولايته في شيء من الأشياء، بل هو منسلخ عنه بكل حال إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً على صيغة الخطاب بطريق الالتفات: إي إلا أن تخافوا منهم أمرا يجب اتقاؤه، وهو استثناء مفرغ من أعم الأحوال. وفي ذلك دليل على جواز الموالاة لهم مع الخوف منهم، ولكنها تكون ظاهرا لا باطنا وخالف في ذلك قوم من السلف فقالوا: لا تقية بعد أن أعز الله الإسلام.

.الآية الثانية:

{فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (97)}.
اللام في قوله وَلِلَّهِ هي التي يقال لها لام الإيجاب والإلزام، ثم زاد هذا المعنى تأكيدا حرف عَلَى فإنه من أوضح الدلالات على الوجوب عند العرب كما قال القائل:
لفلان عليّ كذا فذكر الله سبحانه الحج بأبلغ ما يدل على الوجوب تأكيدا لحقه وتعظيما لحرمته. وهذا الخطاب شامل لجميع الناس لا يخرج عنه إلا من خصصه الدليل كالصبي والعبد. مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا: وقد اختلف أهل العلم في الاستطاعة ماذا هي؟ فقيل:
الزاد والراحلة، وبهما فسرها النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم على ما رواه الحاكم وغيره. وإليه ذهب جماعة من الصحابة والتابعين وحكاه الترمذي عن أكثر أهل العلم، وهو الحق.
وقال مالك: إن الرجل إذا وثق بقوّته لزمه الحج، وإن لم يكن له زاد وراحلة إذا كان يقدر على التكسب، وبه قال عبد الله بن الزبير والشعبي وعكرمة.
وقال الضحاك: إن كان شابا قويا وليس له مال فعليه أن يؤجر نفسه حتى يقضي حجه.
ومن جملة ما يدخل في الاستطاعة دخولا أوليا أن تكون الطريق إلى الحج آمنة بحيث يأمن الحاج على نفسه وماله الذي لا يجد زادا غيره.
أما لو كانت غير آمنة فلا استطاعة، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وهذا الخائف على نفسه أو ماله لم يستطع إليه سبيلا بلا شك ولا شبهة.
وقد اختلف أهل العلم إذا كان في الطريق من الظلمة من يأخذ بعض المال على وجه لا يجحف بزاد الحاج؟ فقال الشافعي: لا يعطي حبة، ويسقط عليه فرض الحج ووافقه جماعة وخالفه آخرون.
والظاهر أن من تمكن من الزاد والراحلة وكانت الطريق آمنة بحيث يتمكن من مرورها- ولو بمصانعة بعض الظلمة بدفع شيء من المال يتمكن منه الحاج ولا ينقص من زاده ولا يجحف به- فالحج غير ساقط عنه بل واجب عليه لأنه قد استطاع السبيل إليه بدفع شيء من المال ولكنه يكون هذا المال المدفوع في الطريق من جملة ما يتوقف عليه الاستطاعة: فلو وجد الرجل زادا وراحلة ولم يجد ما يدفعه لمن يأخذ المكس في الطريق لم يجب عليه الحج لأنه لم يستطع إليه سبيلا، وهذا لابد منه، ولا ينافي تفسير الاستطاعة بالزاد والراحلة، فإنه قد تعذر المرور في طريق الحج لمن وجد الزاد والراحلة إلا بذلك القدر الذي يأخذه المكاسون.
ولعل وجه قول الشافعي أنه يسقط الحج أن أخذ هذا المكس منكر، فلا يجب على الحاج أن يدخل في منكر، وأنه بذلك غير مستطيع.
ومن جملة ما يدخل في الاستطاعة أن يكون الحاج صحيح البدن على وجه يمكنه الركوب، فلو كان زمنا بحيث لا يقدر على المشي ولا على الركوب فهذا- وإن وجد الزاد والراحلة- لم يستطع السبيل. وقد وردت أحاديث في تشديد الوعيد على من ملك زادا أو راحلة ولم يحج ذكرها الشوكاني في فتح القدير وتكلم عليها.

.الآية الثالثة:

{وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (161)}.
أي يأتي به حاملا له على ظهره، كما صح ذلك عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فيفضحه بين الخلائق.
وهذه الجملة تتضمن تأكيد تحريم الغلول والتنفير منه بأنه ذنب يختص فاعله بعقوبة على رؤوس الأشهاد ويطلع عليها أهل المحشر وهي مجيئه يوم القيامة بما غله حاملا له قبل أن يحاسب عليه ويعاقب. اهـ.

.قال السايس:

من سورة آل عمران:
قال الله تعالى: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ الله فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ الله نَفْسَهُ وَإِلَى الله الْمَصِيرُ (28)}.
بعد أن بيّن الله سبحانه وتعالى أنه واهب الملك، المعزّ المذلّ، القادر على جميع الأشياء في الدنيا والآخرة، حيث قال جلّ شأنه: {قُلِ اللهمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ} [آل عمران: 26] إلى آخره نبّه المؤمنين إلى أنه لا ينبغي لهم أن يوالوا أعداءه، أو يستظهروا بهم لقرابة أو صداقة قديمة، بل ينبغي أن تكون الرغبة فيما عند الله تعالى وعند أوليائه دون أعدائه.